في الصباح الباكر استيقظت من فراشي...
نظرت إلى ساعتي وكانت تشير الى الثامنة صباحا... اليوم هو الخميس...
لقد تعودت أنا وإبنتي أن نخرج للتنزه في كل خميس... ولذلك ذهبت لاوقظها...
كان منزلي صغيرا ذو غرف ضيقة وصغيرة... اتجهت الى غرفة خولة... إبنتي الوحيدة...
إبنتي التي تركتها أمها وسافرت الى عالم آخر حيث لا يمكن الوصول إليها.
.. فلم أنسى بعد الدموع التي ذرفتها في غياب أم خولة
... لقد تركتني وبيدي طفلة صغيرة لم أكن أعرف كيف أربيها
.. عندما فتحت الباب خرجت من الغرفة رائحة العطر
الذي كانت تضعه أم خولة على ملابسها... وتعودت أنا بعد ذلك أن أضعه على ملابس خولة لأذكرها..
. عطر جميل ذو رائحة طيبة ولكن الرائحة لم تدم طويلا بل اضمحلت حالما
أدركت بأن إبنتي ليست بالغرفة... ياللغرابة كانت دمى وألعاب
الطفلة الصغيرة مبعثرة في كل مكان... لقد قمت بتعليم إبنتي أن ترتب ألعابها قبل النوم وتعودت هي
على ذلك فماذا جرى اليوم؟... فكرت مليا وقلت في نفسي لعلها استيقظت باكرا وقامت باللعب قليلا
ثم خرجت... ولكنها لا تستطيع فتح الباب... "آه تذكرت أنها تنام معي بجانبي كل ليلة"
قلت في نفسي... كيف أنسى هذا؟... يا لي من أب مهمل... لقد تركتها في السرير إذن...
فأسرعت بالرجوع إلى غرفتي... ولكني لم أجد شيئا... أين ذهبت هذه الفتاة المشاكسة...
لعلها تختبيء تحت السرير... انحنيت لأرى أسفل السرير ولكني لم أجد شيئا...
عندما رفعت
رأسي نظرت الى السرير لأرى بأن سريرها لا يزال مرتبا وليس به أية آثار تدل على أن أحد قد نام عليه... "
آه أين أنتي حبيبتي خولة؟ أين تختبئي من والدك يا حلوة؟" ناديت بصوتي ولكن لم يكن هناك
من يرد على صوتي سوى الجدران... ردت علي الجدران بصداها الدامي,
المميت, القاتل, السام... تذكرت حينها بأني وحيد في هذا
المنزل... ارتميت في السرير وأمسكت رأسي كالأطفال... عادت بي الذكريات عندما كنت في
نزهة في الشاطيء مع خولة... عندما كانت ابتسامة وجهها تتلألأ في
ذهني في كل حين... كنت أجلس بجانبها على إحدى الكراسي الخشبية...
"أبي أبي أنظر إلى تلك المرأة... إنها ماما...لنذهب هناك معها"
فقلت في نفسي "مسكينة أنتي يا خولة... لم تدركي بأن أمك قد أخذها القدر وتركني معك..."
"أبي أبي... أنظر إنها أمي..."
"لا لا يا حبيبتي أمك سافرت
إلى مكان بعيد ولن تعود إلى هنا أبدا... ألم أخبرك بذلك. قلت لك بأنك ستلتقي بها عندما تكبرين"
"آه... صحيح لقد نسيت يا بابا"
استسلمت خولة لذلك الكلام ولم تفكر يوما بأنها لن ترى أمها أبدا في هذه الأرض... لم يكن لديها أحد سواي...
وزادني ذلك الموقف
تمسكا بوعدي الذي قطعته على نفسي بأن لا أترك خولة وحيدة أبدا بعد أن توفت أمها ليلة ولادتها...
كنت أحملها معي أينما أذهب وكنت ألبي لها أي طلب تريده... كنت أخرج معها في كل خميس للنزهة...
كان ذلك قبل أن أعرف بأن خولة مصابة بالمرض نفسه
الذي قتل أمها...
لم أدري بأن تلك النزهة ستكون آخر نزهة مع إبنتي... فقد سقطت البريئة على الأرض وكأن أحد قد أصابها بسهم الموت...
كانت حالتها كحالة أمها عندما كانت تحتضر... صعوبة في التنفس واهتزاز رهيب للجسم...
علمت حينها أنها تحمل المرض نفسه لذا كان علي أن أحملها مسرعا إلى المستشفى قبل فوات الأوان...
كانت آخر لحظاتي معها عندما سمعت صوتها وهي تحتضر... كان نفسها الصغير أعلى من صوت محرك السيارة
...
عندما توقفت راكنا السيارة بجانب المستشفى كان صوتها قد توقف وتوقفت آمالي وأحلامي معها...
حملتها وخرجت من السيارة واعتقدت بأنها قد تنجو... ولكن عندما رآها الدكتور عانقني وقال...
لقد فات الأوان لقد فات الأوان... أنا آسف... ليبارك الله لك ولروح إبنتك...
أحسست بإحساس غريب
في تلك اللحظات... ضياع, دوار, لا أدري ما حصل... سألت نفسي لماذا أنا تعيس هكذا؟...
لماذا أنا من يخسر دائما؟... لماذا يا ربي... ولم يكن بيدي أن فعل شيء سو حمل جسد إبنتي
الصغير وتقبيلها وضمها إلى صدري وإذراف الدمع... همست في أذنها وقلت:
"وداعا يا حبيبتي وداعا يا حوريتي الصغيرة...
لقد إرتحتي من هذه الدنيا الظالمة... لقد رحمك الله وما علي سوى أن أصبر
... إذهبي مع أمك وإنتظراني... سأعود قريبا سأعود قريبا..."
إستيقظت من ذكرياتي ودموعي قد رطبت سريري... إستيقظت وقبلت سرير إبنتي وخرجت من المنزل... للتنزه بمفردي...