السلام عليكم
قريت المقالة دي واعجبتني فجبتها اليكم واتمنى تعجبكم
تفجيرات بغداد المأساوية تكشف المدى الذ وصل اليه الاستهداف السياسي متعدد الإتجاهات، ونتيجة الفعل هذه المرّة تخدم العديد من الجهات السياسية، لكنها في مطلق الأحوال لا تخدم الشعب، ولا الوطن.
ما الجديد فيما حدث في أربعاء بغداد الدامي؟ شكلياً، ربما يمكن القول بإن الإستهداف هذه المرّة لم يكن إستهدافا لطائفة معينة، لم يُستهدف مسجد أو جامع أو حسينية. لم يُستهدف حي يتميز بأغلبية لهذه الطائفة أو تلك، وإنما إستهدفت مراكز سيادية، وزارة الخارجية والمالية والدفاع، ومشارف المنطقة الخضراء. هذه المرّة توّزع الشهداء والضحايا بين مختلف الطوائف والمذاهب والقوميات، فبينهم العربي والكردي، السني والشيعي، المسيحي والمسلم.
يمكن القول بناء على ما ذكر أن هذا العمل الإجرامي لا يتصف بالصفة الطائفية، ولا العنصرية. وبالتالي يصعب أن يُلصق بالسنة المتشددين، او الشيعة المتعصبين، او العنصريين الكرد. لا يعني هذا أن من قام بهذا الفعل المُشين لا ينتسب لجهة من الجهات التي ذكرت، وإنما الذي نعنيه أن الفعل هذه المرّة يتم وفق عنوان شديد الوضوح، ألا وهو العنوان السياسي. الجريمة هذه المرّة في حضن السياسيين، سواء من كان منهم في العملية السياسية، أم من كان خارجها. من يريد تقويضها، أو من يريد الإستئثار بها.
الإستهداف السياسي لهذا الحدث المأساوي متعدد الإتجاهات، ونتيجة الفعل هذه المرّة تخدم العديد من الجهات السياسية، لكنها في مطلق الأحوال لا تخدم الشعب، ولا الوطن.
لقد قامت قيامة الحكومة ولم تقعد، لأنها أحست بالإهانة البالغة، وفقدان المصداقية، فمنذ ما قبل الإنتخابات البلدية والسلطة تتباهى وبغرور مقيت، من كونها إستطاعت تحقيق الأمن والأمان في بغداد وإنحاء العراق، وأن الإرهاب الآن يلفظ أنفاسه، إلا أن هذه الأحداث المروعة كشفت عورة الحكومة، وبينت ضعف وهزال أجهزتها الأمنية، وإلا هل يمكن أن يحدث إختراق أمني كهذا إلا في ظل حكومة غارقة في النوم العميق، وأجهزة أمنية ليست فقط عديمة الخبرة وأنما فاسدة ومرتشية.
السهم هذه المرّة أصاب الحكومة بمقتل، وبذا تكون الجهات التي هي في صراع معها، سواء كان هذا الصراع معروف ومكشوف على الملآ، أم كان مستتراً وخفياً تجري فصوله خلف الكواليس، قد حققت العديد من النقاط في حلبة المصارعة، وليس من المستغرب أن تسقط الحكومة لاحقاً بالضربة القاضية، أو بالنقاط.
يتصور البعض، أن مزاولة العنف تقتصر على أولئك الذين هم خارج العملية السياسية، أولئك الذين يحملون السلاح لتقويضها. وهذا تصور تفنده وقائع الأحداث في المشهد السياسي العراقي منذ التاسع من نيسان عام 2003 وإلى اليوم، فقد زاولت بعض عناصر ما يُسمى بالعملية السياسية العنف وسيلة لتحقيق الإهداف التي كانت تبتغيها، لذا فإخراج جميع الفئات المنخرطة في العملية السياسية من دائرة الإتهام، لا لشيء إلا لكونها مشاركة بالعملية السياسية، أمر قد يُبعد المعنين عن الوصول إلى الحقيقة كاملة.
ولكم تبدو من جهة أخرى ساذجة لأقصى حد تلك المحاولات التي تروم إبعاد القاعدة، وعناصر الإرهاب المعروفة من دائرة الإتهام. لقد إنطلق أولئك الذين تكون الحقيقة آخر إهتماماتهم، بإتهام قوى سياسية بعينها بهذه الجريمة، حتى قبل أن يُعرف عدد الضحايا، وحتى قبل أن يتم إطفاء الحرائق، مستبعدين أي إحتمال في أن يكون للقاعدة أي يد في هذه الجريمة، حتى لكأن القاعدة منزهة عن مثل هكذا جرائم، علماً بإن أي متابع يستطيع أن يسطر لمن يشاء سجل القاعدة الحافل بأعمال أشد بشاعة من الأربعاء الدامي، بدءاً من اندونيسيا وحتى المغرب الأقصى، ولذرائع قد يكون منها أن الناس لا تطلق لحامهم، وأن نساءهم لا يرتدين الزي الإسلامي!
من يريد التشبث بالسلطة، وذاك الذي يريد أخذها ممن يستحوذ عليها الآن، و كذا ذاك الذي يريد إستعادتها، كلهم ينبغي أن يكونوا في دائرة البحث والتقصي، هذا إذا كنا نرغب حقيقة بالكشف عن الجناة، والإقتصاص منهم.
مغالط ذاك الذي يستبعد تأثير دول الجوار، عربية كانت أم غير عربية. من يميتنا عطشنا لا يصعب عليه تفجير بعضنا لحسابات تتعلق بمصلحته. ليست قليلة تلك الدلائل التي تشير إلى كون جارتنا الشرقية تصفي حساباتها مع عدوها على أرضنا، وليست قليلة تلك الدلائل التي تشير إلى أن كبرى جاراتنا العربية تنفق المليارات للتأثير على الأوضاع السياسية والتحكم بمساراتها في بلادنا، عبر شراء وخلق تنظيمات باذخة الثراء والقدرة. لم يعد هذا الأمر خافياً على أحد، ولم تعد الدول الغنية المحيطة بالعراق معنية حتى بالتستر على مثل هكذا نشاط، كما لم يعد غير مرئي ذاك السعي وتلك الرغبة لدى الأشقاء في سوريا في إستلام أرث حكم العراق، عبر التحكم بالقوى والأحزاب التي ألجأتها الظروف للتواجد في أراضيها.
في الداخل، ضمن حدود خارطة العراق، يتحكم المحتل بالقوى والأحزاب السياسية العراقية. يصبح جيش الإحتلال وسفارة المحتل، الضامن لبقاء نفوذ هذا الحزب أو ذاك. وفي الخارج تتحكم القوى الإقليمة بالإحزاب والقوى المعارضة، وتصبح مخابرات دول الجوار هي الضامن لبقاء وديمومة هذا الحزب أو ذاك، هذه القوى أم تلك.
وبين الإحتلال والقوى التي تعتمد عليه، وبين المعارضة والمخابرات الإجنبية التي تعتمدها، يتواصل النزيف العراقي، وتتعمق الكارثة العراقية، وينحدر الوطن شيئاً فشيئاً إلى الهاوية.